باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة الجنائية
دائرة الاثنين (أ)
المؤلفة
برئاسة القاضي/ مصطفى محمد نائب رئيس المحكمة وعضوية القضاة/ يوسف قايد، حسين
النخلاوي، أسامة محمود و د/ أحمد أبو العينين نواب رئيس المحكمة وحضور رئيس
النيابة العامة لدى محكمة النقض/ كيلاني محمود. وأمين السر/ هشام موسى.
في
الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة. في يوم
الاثنين 19 من جمادى الآخرة سنة 1445 هـ الموافق الأول من يناير سنة 2024م.
أصدرت الحكم الآتي:
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 178 لسنة 93 القضائية.
المرفوع من
ضد
.
الوقائع
اتهمت
النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 5889 لسنة 2022 قسم كرموز والمقيدة
برقم 732 لسنة 2022 كلي غرب الاسكندرية.
بوصف
أنهم في يوم 29 من مايو سنة 2022 بدائرة قسم كرموز محافظة الاسكندرية.
حازوا
وأحرزوا جوهر الحشيش المخدر بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
وأحالتهم
إلى محكمة جنايات الاسكندرية لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة
المذكورة قضت حضورياً بجلسة 12 من أكتوبر سنة 2022 وعملاً بالمواد 1، 2، 7/1، 34/
فقرة أولى بند أ، 42/1 من القانون ۱۸۲ لسنة ١٩٦٠ المعدل بالقانونين ٦١ لسنة ۱۹۷۷، ۱۲۲ لسنة ۱۹۸۹ والبند ٥٦ من القسم الثاني من الجدول
رقم (۱) الملحق
بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الصحة رقم ٤٦ لسنة ١٩٩٧، مع إعمال المادة 17 من
قانون العقوبات، بمعاقبة كل من/ .... بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات وبتغريم كل
منهم مبلغ مائة ألف جنيه ومصادرة المواد المخدرة والمبالغ المالية والهواتف
المحمولة والدراجة النارية المضبوطة وألزمتهم المصاريف الجنائية وقدرت المحكمة
مبلغ خمسمائة جنيه كأتعاب محاماة.
فطعن
المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 27 من أكتوبر سنة 2022.
وطعن
المحكوم عليه الثالث/ .... في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 2022.
وأودعت
مذكرة بأسباب طعن المحكوم عليهم بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 2022 موقع عليها من/ ....
المحامي.
كما
أودعت مذكرة بأسباب طعن المحكوم عليه الأول/ .... بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 2022
موقع عليها من/ .....
وبجلسة
اليوم سمعت المحكمة المرافعة على ما هو مبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر والمرافعة
والمداولة قانوناً.
أولاً:
بالنسبة للطعن المقدم من الطاعنين الأول/ ....، الثاني/ .... ، الثالث/ ....
حيث
إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر قانوناً.
وحيث
إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة حيازة وإحراز جوهر
الحشيش المخدر بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً قد شابه القصور في
التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، والخطأ في الإسناد وفي تطبيق
القانون ذلك بأن الحكم جاء قاصراً في بيان الواقعة وإيراد مؤدى أدلة الإدانة، ولم
يدلل تدليلاً سائغاً على توافر قصد الاتجار في حق الطاعنين، ولم يورد مؤدى تقرير
المعمل الكيماوي واكتفى بإيراد نتيجته، ونقل الحكم عن التقرير أن القطع المضبوطة
جميعها تحوي مخدر الحشيش على خلاف الحقيقة، رغم أن التحليل لم يتناول كل كمية
المخدر المضبوطة، وتساند الحكم إلى أدلة ظنية، بأن عول على أقوال ضابطي الواقعة،
والتحريات رغم أنهما لا يصلحان دليلاً لشواهد عدة، وردَّ بما لا يسوغ على الدفع
ببطلان إذن النيابة العامة لابتنائه على تحريات غير جدية لشواهد عدة، وبطلان القبض
والتفتيش وبطلان ما تولد عنهما من أدلة لحصولهما قبل صدور إذن النيابة العامة
بدلالة التلاحق السريع في الإجراءات وما قرره شهود النفي والطاعنين بالتحقيقات،
وعدم معقولية الواقعة واستحالة حدوثها وفق تصوير ضابط الواقعة وكيدية الاتهام
وتلفيقه وانتفاء صلة الطاعنين الثاني والثالث بالمضبوطات، ولم تعن المحكمة بتحقيق
الدفعين الأول والثاني، والتفتت عن طلب الطاعن الأول بالاستعلام من شرطة النجدة عن
بلاغ شقيقته، ومناقشة شاهد الإثبات الثاني، ودانهم الحكم بعقوبة السجن المشدد رغم
إعماله المادة 17 من قانون العقوبات، وألزمهم بالمصاريف الجنائية دون تحديد
مقدارها، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث
إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية
للجريمة التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن
تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وكان يبين مما سطره الحكم المطعون فيه أنه بيَّن
مضمون أدلة الدعوى وجاء استعراض المحكمة لها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص
الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث
لتعرف الحقيقة، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه
الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع
ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة
فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا
يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت حيازة وإحراز المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية
يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما يقيمه على ما ينتجها، وإذ كان البيّن من
الحكم المطعون فيه أنه عرض لقصد الاتجار واستظهره في منطق سائغ، وكانت المحكمة قد
اقتنعت في حدود سلطتها في تقدير الدعوى التي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي
أن حيازة وإحراز الطاعنين للمخدر كان بقصد الاتجار، فإن ما يثيرونه بدعوى القصور
في التدليل على توافره لا يكون سديداً، هذا فضلاً عن أنه لا مصلحة للطاعنين
فيما ينعونه على الحكم بالنسبة لقصد الاتجار ما دام البيّن من مدوناته أنه أوقع
عليهم عقوبة تدخل في حدود العقوبة المقررة لحيازة وإحراز الجوهر المخدر مجرداً من
القصود المعتبرة قانوناً. لما كان ذلك، وكان البيّن من الحكم أنه أورد مضمون
تقرير المعمل الكيماوي الذي عول عليه، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه،
ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه،
ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى. لما كان ذلك، وكان البيّن من
مدونات الحكم المطعون فيه أنه لم ينقل عن تقرير المعمل الكيماوي أن القطع المضبوطة
جميعها تحوى مخدر الحشيش خلافاً لما يزعمه الطاعنون بل أورد أنه بفحص العينات
المستقطعة من المواد المضبوطة والبالغ وزنها الإجمالي خمسة وثمانون جراماً وستون
سنتيجرام أن جميعها حشيش، ومن ثم فقد انحسر عنه قالة الخطأ في الإسناد التي يرميه
بها الطاعنون. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون من أن التحليل لم يتناول كل
الكمية المضبوطة هو منازعة موضوعية في كنه ما لم يرسل منها للتحليل لم يُبدَ أمام
محكمة الموضوع، فإنه لا يجوز إثارتها أمام محكمة النقض، فضلاً عن أنه ليس من شأنه
أن ينفي عن الطاعنين حيازة وإحراز كمية المخدر التي أرسلت للتحليل، فمسئوليتهم
الجنائية قائمة في حيازتهم وإحرازهم لهذا المخدر قل ما ضُبط منه أو كثر، ومن ثم
فإن هذا الوجه من الطعن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير
الدليل موكول إلى محكمة الموضوع، ومتى اقتنعت به واطمأنت إليه فلا معقب عليها في
ذلك، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه
عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين للجريمة المسندة إليهم، فإن ما يثيره الطاعنون في
هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن
تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام
استخلاصها سائغاً مستندًا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق،
وأن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي
تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى
أقوال ضابطي الواقعة وصحة تصويرهما للواقعة، فإن ما يثيره الطاعنون في شأن
أقوالهما وعدم معقولية الواقعة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل
به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة
النقض. لما كان ذلك، وكان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على
التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة أخرى إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون
قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت الجريمة، وكان ما أورده الحكم المطعون
فيه للتدليل على ثبوت التهمة في حق الطاعنين قد جاء مقصوراً على أقوال شاهدي الإثبات
وما أورى به تقرير المعمل الكيماوي، ولم يتساند في ذلك إلى التحريات التي لم يعول
عليها إلا كمسوغ لإصدار الإذن بالتفتيش فحسب، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا
الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات
وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى
سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية
الاستدلالات التي بُني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة
على تصرفها في شأن ذلك فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. ولما
كانت المحكمة قد سوَّغت الأمر بالتفتيش وردَّت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية
التحريات رداً كافياً وسائغاً، وكان الخطأ في مهنة الطاعن الأول وخلو محضر التحري
من مصدر حصول الطاعنين على المخدر وأسماء عملائه بفرض صحة ذلك لا يقطع بذاته في
عدم جدية التحريات، ولا يعيب الإجراءات أن تبقى شخصية المرشد غير معروفة وأن لا
يفصح عنها رجل الضبط القضائي، هذا فضلاً وكان يبين من محاضر جلسة المحاكمة أن أياً
من الطاعنين لم يدفع ببطلان إذن النيابة العامة لعدم جدية التحريات للأساس الذى
يتحدث عنه بأسباب طعنه أو لعدم إبداء المحكمة رأيها في عناصر التحريات السابقة على
الإذن، وكان من المقرر أنه لا يصح إثارة أساس جديد للدفع ببطلان إذن النيابة
العامة أمام محكمة النقض ما دام أنه في عداد الدفوع القانونية المختلطة بالواقع ما
لم يكن قد أثير أمام محكمة الموضوع أو كانت مدونات الحكم ترشح لقيام هذا البطلان
لهذا السبب، فإنه لا يقبل منه إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ويكون ما
ينعاه الطاعنون في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد
عرض للدفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما قبل صدور إذن النيابة العامة واطرحه برد
سائغٍ وكافٍ في اطراح الدفع، لما هو مقرر من أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد
الضبط إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناءً
على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها، ويكون منعى الطاعنين في هذا الصدد غير
سديد. لما كان ذلك، وكان الأصل أن من يقوم بإجراء باطل لا تُقبل منه الشهادة
عليه ولا يكون ذلك إلا عند قيام البطلان وثبوته، ومتى كان لا بطلان فيما قام
به ضابطي الواقعة من إجراءات فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت على أقوالهما
ضمن ما عولت عليه في إدانة الطاعنين، ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير قويم.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لرجل الضبطية القضائية المنتدب لتنفيذ إذن
النيابة بالتفتيش تخير الظرف المناسب لإجرائه بطريقة مثمرة وفي الوقت الذي يراه
مناسباً ما دام أن ذلك يتم في خلال الفترة المحددة بالإذن، ولما كان الحكم
المطعون فيه قد التزم هذا النظر في رده على الدفع بالتلاحق الزمني السريع في
الإجراءات، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويضحى النعي عليه في هذا الصدد في غير
محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود
النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به، وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت
لم تستند إليها، وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم
تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فاطرحتها، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا
الخصوص يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بالتفات المحكمة
عما قرره الطاعنون بالتحقيقات وعدم معقولية الواقعة واستحالة حدوثها وفق تصوير
ضابط الواقعة وكيدية الاتهام وتلفيقه وانتفاء صلة الطاعنين الثاني والثالث
بالمضبوطات كل أولئك من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من المحكمة رداً خاصاً ما
دام الرد مستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة للأدلة السائغة التي أوردها، وكان
الحكم قد أقام قضاءه على ما استقر في عقيدة المحكمة من انبساط سلطان الطاعنين على
المخدر المضبوط تأسيساً على أدلة سائغة لها أصلها في الأوراق تتفق والاقتضاء
العقلي، ومع ذلك فقد عرض الحكم لهذه الدفوع عدا الدفع الأول واطرحها برد كافٍ
وسائغٍ يتفق وصحيح القانون، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون له
محل. لما كان ذلك، وكان البيّن من محاضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعنين لم
يطلب إلى المحكمة تحقيق الدفعين الأول والثاني المار بيانهما، فليس له من بعد
النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه ما
دامت الواقعة قد وضحت لديها، فإن ما ينعاه الطاعنون في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو
الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يُصر عليه مُقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار
عليه في طلباته الختامية، وكان البيِّن من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة
أن المدافع عن الطاعن الأول وإن كان قد طلب لدى مرافعته بجلسة 11/10/2022
الاستعلام من شرطة النجدة عن بلاغ شقيقته إلا أنه لم يعد إلى التحدث عن طلبه هذا
في الجلسة اللاحقة واقتصر في ختام مرافعته على طلب البراءة، ولما كان الطلب بهذا
النحو غير جازم ولم يُصر عليه الدفاع في ختام مرافعته، فإن ما ينعاه الطاعن الأول
في هذا الشأن لا يكون له محل، هذا فضلاً عن أنه من المقرر أن الطلب الذي لا يتجه
مباشرة إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما
رواها الشهود، بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه
المحكمة، فإنه يعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته، وكان الثابت
من أسباب الطعن أن طلب الاستعلام سالف البيان والمبدى بجلسة المحاكمة لا يتجه إلى
نفي الفعل المكون للجريمة أو استحالة حصول الواقعة وإنما الهدف منه مجرد التشكيك
فيها وإثارة الشبهة في أدلة الثبوت التي اطمأنت إليها المحكمة، ومن ثم فلا على
المحكمة إن هي أعرضت عنه والتفتت عن إجابته، ويكون ما يثيره الطاعن الأول في أسباب
طعنه في هذا الخصوص غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان الأصل
أن الأحكام في المواد الجنائية إنما تُبنى على التحقيقات التي تجريها المحكمة في
الجلسة وتسمع فيها الشهود الذين حدد الخصوم أسماءهم وبياناتهم ووجه الاستدلال بهم
متى كان سماعهم ممكناً، إلا أن المادتين ۲۷۷، ۲۸۹ من قانون الإجراءات الجنائية
المستبدلتين بالقانون رقم ١١ لسنة ۲۰۱۷ تخول للمحكمة الاستغناء عن سماع أي من الشهود
وتلاوة أقواله بالتحقيقات إذا تعذر سماعه لأي سبب من الأسباب أو إذا قدَّرت عدم
لزوم سماع شهادته على أن تسبب ذلك في حكمها، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لطلب
الطاعن بسماع شاهدي الإثبات واطرحه برد كاف وأسباب سائغة على النحو الثابت به، وإذ
كانت هذه الأسباب من شأنها أن تؤدي إلى ما رُتب عليها من عدم لزوم سماع شهود
الإثبات، ومن ثم يكون نعي الطاعن الأول في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك،
وكانت العقوبة المقررة لجريمة إحراز المخدر بقصد الاتجار المنصوص عليها في المادة
٣٤/أ من قانون مكافحة المخدرات رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ هي الإعدام أو السجن المؤبد
وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، وقد أورد نص المادة
٣٦ من ذات القانون استثناءً من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات وقيداً على حق
المحكمة بعدم جواز النزول بالعقوبة في الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة سوى
للعقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى
بمعاقبة الطاعنين بعد أخذهم بالرأفة ومعاملتهم بالمادة ١٧ من قانون العقوبات
بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات وتغريم كل منهم مائة ألف جنيه، فإنه يكون قد طبق
القانون تطبيقاً صحيحاً، ويكون منعى الطاعنين في هذا الشأن غير قويم. لما كان ذلك،
وكان الحكم المطعون فيه قد التزم صحيح القانون طبقاً للمادتين ۳۱۳، ۳۱۸ من قانون الإجراءات الجنائية حين ألزم
الطاعنين بكل المصاريف دون أن يحدد مقدارها، فإن النعي عليه في هذا الصدد يكون غير
سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعاً.
ثانياً:
بالنسبة للطعن المقدم من الطاعن الرابع/ ....
حيث
إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر قانوناً.
وحيث
إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة حيازة وإحراز جوهر
الحشيش المخدر بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً قد شابه القصور في
التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم ردَّ بما لا
يسوغ على الدفع ببطلان القبض والتفتيش لحصولهما بدون إذن من النيابة العامة وفي
غير حالة من حالات التلبس، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث
إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى في قوله أن التحريات والمراقبة السرية
التي أجراها النقيب/ .... معاون مباحث قسم شرطة كرموز بالاشتراك مع الرائد/ .... أسفرت
عن أن المتهمين .... يتجرون في المواد المخدرة خاصة مخدر الحشيش بدائرة القسم
ويحتفظون بالمواد المخدرة مع أشخاصهم وفي مساكنهم، وأفرغ ما توصلت إليه تحرياته في
محضره المؤرخ 28/5/2022 الساعة الثالثة مساءً، واستصدر إذناً من النيابة العامة
بتاريخ 28/5/2022 الساعة السادسة مساءً بضبط وتفتيش أشخاص المتهمين ومساكنهم
وملحقات مساكنهم لضبط ما يحوزونه من مواد مخدرة وما قد يظهر عرضاً أثناء الضبط
والتفتيش مما يعد إحرازه وحيازته جريمة معاقب عليها قانوناً، ونفاذاً لهذا الإذن
وعلى إثر اتصال المصدر السري به بتاريخ 29/5/2022 الساعة العاشرة صباحاً وإبلاغه
بتواجد المتهمين بحانوت خاص بالمتهم الأول بمنطقة الطوبجية وأنهم بصدد تسليم كمية
من المواد المخدرة لأحد عملائهم ما بين الساعة العاشرة والنصف والعاشرة وخمسة
وأربعين دقيقة قام بإبلاغ زميله الرائد/ .... معاون مباحث القسم بمضمون ذلك
الاتصال وانتقلا سوياً وبرفقتهما قوة من الشرطة السريين إلى ذلك المكان ولدى
وصولهم إلى ذلك المكان في حوالى الساعة العاشرة والثلث صباحاً شاهدا المتهم الرابع
يقود مركبة (توك توك) وتوقف أمام حانوت المتهم الأول وقام بالنداء على أحدهم فخرج
المتهمون إليه وبيد المتهم الأول لفافة سوداء اللون كبيرة الحجم فأسرع وزميله
نحوهم ومن خلفهم القوة المرافقة وتمكن هو من ضبط المتهمين الأول والثاني وانتزع
اللفافة من يد المتهم الأول، وفي تلك الأثناء شاهد زميله المتهم الرابع قائد
المركبة (التوك توك) يحاول التخلص من لفافة كبيرة سوداء فأوقع القبض عليه وانتزع
اللفافة وسلمها له، كما أوقع القبض على المتهم الثالث وتم تسليم المتهمين للقوة
المرافقة للتحفظ عليهم، ثم قام هو بفض اللفافة التي انتزعها من يد المتهم الأول
فعثر بداخلها على خمسين طربة لمخدر الحشيش، وبفض اللفافة التي انتزعها زميله من يد
المتهم الرابع فعثر بداخلها على ست عشرة طربة لمخدر الحشيش ثم أجرى تفتيش أشخاص
المتهمين فعثر مع المتهم الأول على مبلغ عشرين ألف جنيه وهاتف محمول وعثر مع
المتهم الثاني على هاتف محمول ومبلغ ثلاثمائة جنيه وعثر مع المتهم الثالث على هاتف
محمول ومبلغ خمسمائة جنيه وعثر مع المتهم الرابع على هاتف محمول ومبلغ أربعة آلاف
ومائتي جنيه. وساق الحكم دليل الإدانة المستمد من أقوال شاهدي الإثبات على ذات
المعنى الذى اعتنقه لصورة الواقعة على السياق المتقدم، ثم عرض للدفع المبدى من
الطاعن الرابع ببطلان القبض والتفتيش الواقع عليه لحصوله بغير إذن من النيابة
العامة وفي غير حالة من حالات التلبس، وردَّ عليه بعد أن أورد بعض التقريرات
القانونية بقوله لما كان ذلك، وكان واقع الحال في الدعوى أنه لدى قيام ضابطي
الواقعة بالقبض على المتهمين من الأول حتى الثالث شاهد الشاهد الثاني المتهم
الرابع قائد المركبة (التوك توك) وهو يحاول التخلص من لفافة كبيرة سوداء اللون بما
يستدل منه على أنه فاعل في الجريمة مما يحق معه لضابط الواقعة القبض عليه وتفتيشه
لتوافر حالة التلبس في حقه، فإذا ما أسفر ذلك التفتيش عن إحرازه لمخدر الحشيش صح
الاستشهاد به كدليل في الدعوى، ومن ثم يضحى الدفع المبدى من المتهم الرابع قائم
على غير سند جدير بالرفض. لما كان ذلك، وكانت المادتان ٣٤، ٣٥ من قانون الإجراءات
الجنائية قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح
المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر
الذي توجد دلائل كافية على اتهامه، فإذا لم يكن حاضراً جاز لمأمور الضبط القضائي
إصدار أمر بضبطه وإحضاره، كما خولته المادة ٤٦ من القانون ذاته تفتيش المتهم في
الأحوال التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التلبس
صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد
وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يُجري تفتيشه بغير إذن
من النيابة العامة، وأنه وإن كان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت
ارتكابها ومدى كفايتها لقيام حالة التلبس أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع، إلا أن
ذلك مشروط أن تكون الأسباب والاعتبارات التي تبني عليها المحكمة تقديرها صالحة أن
تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في معرض
بيانه لواقعة الدعوى وما حصله من أقوال ضابطي الواقعة على السياق المتقدم لا يبين
منه أنهما قد تبينا أمر المخدر قبل إمساكهما بالطاعن وضبطه، وكان مجرد مشاهدة
الطاعن يحمل حال مناداته على أحد الطاعنين الثلاثة الأُوَل المأذون بتفتيشهم لفافة
سوداء كبيرة الحجم محاولاً التخلص منها ليس فيه ما يبرر القبض عليه، وأن ما صدر من
الطاعن هو محاولة التخلي عن الكيس الذي تبين احتوائه على المخدر، وكان البيّن من
المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقًا لوجه النعي أن الضابط شاهد الإثبات
الثاني قد قام بانتزاع الكيس من يد الطاعن الرابع لدى محاولته إلقائه وقبل تخلصه
منه. لما كان ذلك، وكانت محاولة الطاعن التخلص من الكيس لا يخرجه عن سيطرته ولا
يعتبر تخلياً عن حيازته بل يظل على الرغم من ذلك في حيازته القانونية، وإذ كان
الضابط قد أمسك بالكيس وانتزعه من يد الطاعن وفقًا لما ورد بأقواله بتحقيقات
النيابة، وقبل تخلص الطاعن منه حال محاولته إلقائه، ولم يتبين محتواه قبل فضه، فإن
الواقعة على هذا النحو لا تتحقق بها إحدى حالات التلبس المبينة حصراً في المادة ٣٠
من قانون الإجراءات الجنائية، ولا تعد في صورة الدعوى من المظاهر الخارجية التي
تُنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة وتبيح بالتالي لمأمور الضبط القضائي القبض على
الطاعن الرابع وتفتيشه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى صحة هذا
الإجراء ورفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش الواقعين عليه، فإنه يكون قد أخطأ في
تطبيق القانون وتأويله بما يوجب نقضه. لما كان ذلك، وكان بطلان القبض والتفتيش
مقتضاه قانوناً عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمد منهما،
وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل، ولما كانت الدعوى حسبما
حصَّلها الحكم المطعون فيه لا يوجد فيها من دليل سواه فإنه يتعين الحكم ببراءة
الطاعن عملاً بالفقرة الأولى من المادة ٣٩ من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام
محكمة النقض الصادر بالقانون رقم ٥٧ لسنة ١٩٥٩ ومصادرة المخدر المضبوط عملاً بنص المادة
٤٢ من القانون رقم ١٨٢ لسنة ١٩٦٠ في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها
والاتجار فيها مع إلغاء ما قضى به من مصادرة للدراجة النارية والمبلغ النقدي
المضبوط بحوزته.
فلهذه الأسباب
حكمت
المحكمة:
أولاً: بقبول الطعن المقدم من المحكوم عليهم
.... شكلاً وفي الموضوع برفضه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق